
لوّح بحب
تمضي بنا الأيام ونتفاجأ من مرور عام تلو العام وكثيراً ممّا عزمنا على تحقيقه ما زال عالقاً بلا حراك، وكثيراً ممّا ذُبنا حالمين به قد تراجع للخلف، ونجد بأنّنا دفعنا العديد مما رغبنا وطمحنا له بعيداً عنا ، منها ما كان بمحض إرادتنا الساذجة حينها ومنها خطفتها الأيام منّا دون أن ندرك، لنصحو على ارتحال لأحلام عظيمة كنا نقتات منها الأمل كي نستكمل سير الحياة، علينا أن لا نكتفِ من لوم الظروف أو صفع الذّات ضعيفة الإرادة أو ازدراء الأيام التي حالت بيننا وبين ما أردنا، بل لابد من وقفات جادّة كي نستطيع المضي قُدماً بثبات "مُحارب السّكر" الذي اختار جسده وصحّته وتحدى إرادته ومغريات العالم من الحلوى ما لذ وطاب منها، وامتنع عمّا يريد ليصل لما يرغب أن يكون، أو بجُرأة "مُصارع الظروف" الذي اختار خوض المغامرة وإن بدت تكاليفها عالية ومخاطرها جسيمة، لكنّه اختار الحياة التي يريد وصنع مجده الخاص سواء ببناء عالمه الخاص في شركة تمنى الحصول عليها أو بنى مطعماً كان حلم طفولته، لم يكن ذلك سهلاً يسيراً ولكنّه وصل لما طمح له وعندما شدّ على سواعده للوصول أعطاه الله ما يريد، و"حسن المعشر" الذي تخلى عن عالم يضج بالسوء من حوله وامتنع عن تصرفات كانت تشدّه نحو قاع لا يعرف نهايته، فاختار أن يتغير ليكون ملاذاً لابنه ودرعاً حصيناً لعائلته ويحقق معهم أكبر الإنجازات.
كثيراً من الإنجازات أو الآمال أو الأحلام أو تحسّن الظروف والصروف كان بقرار صغير أقدم عليه أحدهم، وربّما كان نتيجة مصيبة أو فرح أو يأس أو انكسار أو فقد أو حرقة أو خوف أو تقدم و تراجع، تتباين الأسباب ولكن النتيجة واحدة، فطالما كنت تحاول لن تُخذل بعون الرّب، فمن اختار بناء شركته الخاصّة ونجح قد قرر يوماً أن يكتسب المهارات ويتخلى عن بعض ممارساته الغير مفيدة، ومن قدر على توفير الحياة المثلى لعائلة قد عانت كثيراً فيما مضى بسببه قد قرّر يوماً أن يغير من سلوكه الذي قد شتتهم سابقاً، ومن اختار صحّته بعد أعوام من الإهمال ووصل لوزنه المثالي قد قرر يوماً وربّما في ليلة مظلمة أن يتراجع عن نمطه الصحي السيء.
فجميعنا نقع بامتحانات خاطئة ونختار ما سيشكل عقبة وعثرة ونُدبة في تاريخنا الصغير، ولكن الجريء منّا والواعي هو من يلتمس خطوط العودة عن القرارات الخاطئة، وإن لم يكن هناك طريق عودة أكيد ومتاح فلابد من تغيير المسار، فما دُمنا أحياء لم يتأخر الوقت بعد،ما زال هناك متّسع للقرارات الصائبة والتي ستحملنا لمستقبل أفضل، إذ لا يتوجّب للقرارات أن تكون مصيرية وكبيرة وضخمة فاختياراتنا الصغيرة حتى لممارساتنا اليوميّة البسيطة قادرة على خلق الفارق وتحسين جودة الحياة بشتى جوانبها، حدد ما ترغبه من الحياة وقيم وضعك الحالي وارسم خطوط رحلتك التي تريد الوصول لها وابدأ من اليوم، فكثيراً من الأماني تموت لأننا نتركها للوقت بلا أي خطوة من قبلنا وتمضي السنين ولم نخطط بعد كيف نخطو نحوها، ونفقد أيام ذروتنا ونشاطنا وقوّتنا ونحن ما زلنا قابعين في فترة سُبات عقلي نعيش لأيام متشابهة لا نسعى بها لتحقيق شيء، من العظيم أن نعيش لحظتنا الحاضرة بلذّتها وعلى ذلك أن لا يمنعنا من المضي بثبات للأمام لمستقبل رغبناه وشددنا الرحال إليه، ويبقى الماضي درساً نتعلّم منه ونستدعي الحكم فيه لتساعدنا فيما سنفعله في القادم من الأيام.
اخطفوا من فم الأيام أوقاتاً لأجلكم ولأجل مستقبل سعيتم بجهد وعرق ودموع لتحقيقه، تأكدوا من وجهتكم دائماً لا تكونوا كقبطان فقد الوجهة وبات يُبحر ليصل أخيراً إلى مكان لم يرغب به بعد أعوام من الإبحار والتجديف، ما دمنا أحياء ما زال هناك متّسع من العمر لتغيير الوجهة أو لاختيارها من جديد .